اللغة هي القوالب والأوعية التي ينتقل من خلالها الفكر والخلق والاعتقاد، وغير ذلك مما يمكن أن تنقله اللغة، لهذا فإن لها تأثيرها البالغ في العقل والخلق والدين، "والفرد يتأقلم مع أنماط المواقف والأفكار والقيم التي تشكل ثقافة ما عن طريق اللغة بصورة أساسية، … فإن اللغة تساعد على تنشئة وعي الفرد وتشكيله الاجتماعي بصورة قوية".لهذا "فإن نوعية الكلام الذي يستعمله الوالدان، ودقته، ومغزاه، ونوع العلاقة التي ينشئها كلاهما مع أطفالهما، هي السند القوي للنمو العقلي". فإذا أراد الأب أن يأمر ولده بالسكوت مثلاً، فإن العبارات التي تفيد المعنى كثيرة، فبإمكانه أن يقول للولد: "اسكت"، أو "لا تتكلم"، أو ينظر إليه نظرة حادة يفهم منها الولد وجوب التزام الصمت. وهذا الأسلوب في العادة غير موفق مع الولد الصغير خاصة، بل ربما زاده عناداً وإصراراً، إلى جانب أن الولد لا يستفيد من هذه الكلمة شيئاً جديداً في عالم اللغة، ولكن الأب لو استخدم أسلوب العبارات الطويلة التي تفيد المعنى المطلوب، وتحمل معها شيئاً من الحجة والإقناع، فإن المردود أفضل من ناحية استفادة الولد وسماعه عبارات لغوية طويلة، وكلمات جديدة، إلى جانب اقتناعه بالحجة، وفهمه لسبب الأمر، أو النهي، ومثال ذلك أن يقول الأب للولد: "يا بني أرجو أن تقلع عن الصراخ فإنني لا أستطيع أن أقرأ وأنت تصرخ، وإني محتاج أن أنهي قراءة هذا الكتاب اليوم؛ لتقديم ملخص عنه غداً"، فالفرق بين العبارات واضح، ففي الأسلوب الأول استخدمت كلمة واحدة مكررة ومعروفة عند الولد، أما في الأسلوب الثاني فإن عدد الكلمات أكثر، والأسلوب أفضل وأجمع وأنفع.ولما كان أمر اللغة بهذا القدر من الأهمية، فإن الأب يستخدم مع ولده أفضل وأحسن الألفاظ، معتمداً على اللغة العربية مفتاح العلوم، ومتجنباً العامية قدر الإمكان، فإن تعليم الطفل الصحيح من اللغة ابتداء، أفضل من إعادة تصحيح ما أفسد منها.اليوتيوب يستوجب التسجيل اولا لمشاهدة الروابطللتسجيل اضغط هنا]
ويبدأ الأب في تعليم الولد الكلام منذ ميلاده، فإنه محتاج إلى المناغاة بقدر حاجته إلى الغذاء واللبن، فقعود الأب من وقت لآخر ليحدث ولده الصغير، أو يقرأ عليه من كتاب يؤدي إلى تحسينات كبيرة في قدرة الولد على الكلام، وزيادة في اهتماماته اللغوية، فلو قرأ الأب ورده اليومي من القرآن الكريم بجوار ولده وهو يسمعه، فإن هذه الفائدة تحصل، بجانب حصول البركة بالقرآن، والثواب على القراءة. ويراعي الأب عند القراءة تحسين صوته، فإن الصوت الحسن يجذب النفس، ويرقق القلب، وفي الحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم).ويساعد على عملية الكلام عند الطفل وسرعته: اللعب معه ولمس جسمه خاصة الأصابع فإن "مناطق الكلام في المخ تتكون بتأثير انتقال النبضات من الأصابع عن طريق الأعصاب … هذا بالإضافة إلى النشاط الحركي المنظم أثناء حدوث الكلام له تأثير طيب على النمو العقلي للطفل، وهو يساعد على عمليات التفكير والانتباه والتذكر". لهذا يتنبه الأب إلى أهمية الحركة عند الولد، وأن لها دوراً هاماً في نموه العقلي، فلا يزجره دائماً على كثرة لعبه وحركته؛ بل يهيئ له الجو المناسب، والمكان المناسب، لاستخراج طاقاته، وتنمية قدراته العقلية والجسمية.ومن الوسائل المساعدة على تعلم الأولاد للكلام تشجيعهم عليه، والاستماع لهم باهتمام، فإن التشجيع خير حافز على جد الولد في تعلم اللغة والنطق بها، كما أن وجود الولد في مجموعة من الأطفال في سنه يساعده أيضاً على ممارسة الكلام، وتعلم مفردات جديدة، على أن يلاحظ الأب في ذلك حسن اختيار الرفاق، فإن الطفل يمكن أن يتلقى منهم مفردات قبيحة يصعب على الأب بعد ذلك تخليصه منها.كما أن للروايات والقصص المثيرة دوراً هاماً في مساعدة الولد على تركيب الكلام والقدرة على النطق، فلو خصص الأب فترة ما قبل النوم -حيث يكون الطفل مركزاً ومقبلاً- في إلقاء بعض هذه الروايات والقصص معتمداً على اللغة العربية الفصحى، مع سهولة العبارة والإثارة العاطفية في القصة، فإن الولد سوف يستفيد من نصوص القصة مفردات جديدة، إلى جانب تعلم كيفية النطق والشجاعة على الكلام، بالإضافة إلى الأفكار، والقيم الجميلة التي يتعلمها من القصة وأحداثها.
أما ما يخص قضية اللعثمة والتهتهة عند بعض الأطفال الصغار، فإن أسبابها تعود عادة إلى أمور منها: الوراثة: فالطفل المتوسط الذكاء ينطق بصعوبة، إلى جانب أن نطقه يتأخر، كما أن إهمال الولد الأكبر والالتفات إلى المولود الجديد، ولوم الولد عند حدوث اللعثمة منه بغير قصد، ووجود المشكلات العائلية التي تهدد بانهيار البيت، كل هذه الأمور تؤثر على الولد، وتضعف عنده القدرة على الكلام بطلاقة، ولا شك أن اهتمام الأب ومراعاته لحالة ولده النفسية، بإغفال ما عنده من بطء في الكلام واللعثمة، ومساعدته على النطق وتشجيعه عليه بالأساليب المختلفة، مع مراعاة أن يكون ذلك بعيداً عن نظر أقرانه وإخوته، يمكن أن يفيد الولد ويحسن من وضعه ونطقهويلاحظ الأب أيضاً أن الإصرار على الولد، وإجباره على تعلم اللغة قبل أن يكون مستعداً لذلك يعد من أسباب وجود هذه التهتهة واللعثمة إلى جانب التوتر النفسي الذي يحدثه هذا الإجبار والقسر عند الولد. فإن الطفل يمكن أن يبدأ النطق بكلمات لها معنى في نحو تسعة أشهر من عمره، وقبل هذا السن لا يتجاوز كلامه إصدار أصوات، وأحرف متفرقة أو مجتمعة، دون أن يكون لها معنى مقصود أو مفهوم، فيلاحظ الأب هذه المفاهيم، ويراعي قدرات الولد، وإمكاناته العقلية في سن الطفولة.